الحمد لله أصبح الدين منتشراً في عدن بعد الوحدة “: عبارة سمعتها أكثر من مرة وحاولت التغاضي عنها،رغم كونها مستفزة لأنها كانت تصدر من أشخاص في منتصف العمر ولكن يبدو أنني لم افلح في التغاضي عنها إلى ما لا نهاية لأنني صرت اعتبرها أكثر استفزازا عندما صارت تصدر عن شباب عندما تمت الوحدة كانت أعمارهم صغيرة، أي إنهم غير مخولين للحكم على فترة زمنية لم يعيشوها وبالتالي يصبح عقدهم مقارنة بين وضع عدن قبل الوحدة وبعدها امراً غير مقبول.إن المتمعن في هذه العبارة والتي لايسعني سوى وصفها بالخبيثة وبمن حاول ان يزرعها في أذهان الناس كحقيقة راسخة، يجد أنها تصور عدن قبل الوحدة ، أو بمعنى أدق قبل انتصار الشرعية في حرب صيف 1994 وكأنها مدينة كافرة ، أهلها مشركون وأنها عاشت قرونا طويلة مغيبة عما يدور حولها ، لذلك فهي لم تسمع بالإسلام يوما وبالتالي لم يعرف أهلها الطريق إليه إلا على يد الفاتحين والمجاهدين من حزب الإصلاح- كما وصفوا أنفسهم حينها- الذين دخلوها بعد انتصارهم في حرب الانفصال ورفعوا فيها راية الدين الإسلامي خفاقة وعلى أيديهم دخل جميع أهالي عدن الإسلام .ولئن عدنا وبحثنا في تاريخ عدن لوجدنا ان هذه المدينة قد دخلها الإسلام منذ المراحل الأولى لظهوره على يد سيد الخلق وعاش فيها عدد من كبار رجال الدين ، وحتى في العصر الحديث خلال فترة الحكم الاستعماري كانت مساجدها منابر لحث أبناء هذه المدينة على مقاومة المستعمر ومكان انطلاق كثير من المسيرات والمظاهرات المطالبة بالاستقلال من داخلها ولو عدنا زمنيا إلى ما بعد استقلال جنوب اليمن وتأسيس جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ثم تحول اسمها إلى اليمن الديمقراطي التي اختارت النهج الاشتراكي طريقا لها فإننا نؤكد انه لم يحدث ان أقفلت المساجد في وجوه المصلين أو منعت الناس من الدخول إليها أو طالبتهم بالامتناع عن الصوم والصلاة ، ربما انه لم يكن هناك وعي كبير بالدين كما هو حاصل الآن ، ولكن عدن لم تكن يوما كافرة بل ان هناك دولاً عربية وإسلامية كثيرة إلى جانبها كانت حينها تعاني من قلة في الوعي الديني .أما إذا نظرنا إلى الحال الذي آلت إليه عدن بعد حرب صيف 1994 فإننا سنجد ان حزب (الإصلاح) الذي دخل شريكا في الحكم قد تعامل مع عدن على أنها غنيمة حرب حتى ان فقهاءه أصدروا فتوى أباحوا فيها للفاتحين والمجاهدين-حد وصفهم- الذين شاركوا في تلك الحرب نساء عدن وارضها وكل شيء فيها وعملوا على تزييف كثير من الحقائق التي تتعلق بهذه المدينة ، فهدموا بعض المساجد والقبور باسم الإسلام واعتبروا ان تاريخ عدن يجب ان يبدأ منذ لحظة دخولهم إليها لأن المنتصرين وحدهم هم الذين يحق لهم كتابة التاريخ - وفقاً لرؤيتهم-، ولم يكتفوا بذلك قط ، بل عملوا على إنشاء معاهد دينية خارج قوانين الدولة ممثلة بالوزارة المختصة، لتقوم الدولة في العام 2001بإغلاقها على الرغم من أنها أنشئت بمباركة منها كمكافأة لحزب (الإصلاح) على وقوفه إلى جانبها في حرب صيف 1994 م إلا أنها بعد زمن استشعرت خطر تلك المعاهد والأفكار التي تروجها والتي ألهمت الكثيرين من أعضاء تنظيم (القاعدة ) .كما ان الأمر لم يقتصر على هذا الحد فقط ، بل تم فرض أفكار وتوجهات غاية في التشدد فأصبحت المرأة الكاشفة الوجه ينظر إليها نظرة سيئة ، بينما تلك التي تغطي نفسها بطبقات من الرداء الأسود هي النموذج للمرأة المتدينة الفاضلة فيما الرجال أصبح يقاس إيمانهم بطول اللحى. متى يدرك أصحاب تلك الفكرة المغلوطة التي تروج لفكرة أن عدن عرفت الدين بشكله الصحيح بعد حرب صيف1994 م أن التدين لا يقاس بالمظهر بل بالجوهر، وان الدين يعمل على تأليف القلوب بالمحبة وليس بشيء آخر؟.
أخبار متعلقة