هي في الأساس حطابة وراعية أي أن الشاعر صور امرأة ريفية تتحدث عن معاناتها في رعي الأغنام منذ الصباح الباكر وحتى قرب غروب الشمس في الحقل الذي عادة ما يكون بعيداً عن البيت وإلى جانب مشقة عملها كراعية أغنام فأنها تقوم بجمع الحطب من الوديان والشعاب ونقله إلى البيت عند عودتها مساءً لتستخدمه وقوداً لطهي الطعام.وكم للمرء أن يتصور معاناة تلك المرأة الريفية وهي ترعى الأغنام وتجمع الحطب وتحضره إلى البيت بالإضافة إلى المهام الأخرى التي عادة ما تقوم بها فتاة الريف مثل نزح المياه من الآبار ونقلها بواسطة حافظات الماء إما على الرأس أو على الظهر وفي أفضل الأحوال على ظهور الحمير وهذه الوسيلة لا تتوفر إلا لمن هن منتميات إلى أسر ميسورة الحال ويشكلن حالة اجتماعية أفضل من كثير من نساء القرى الفقيرة.إلى جانب ذلك تقوم المرأة الريفية بتحضير الطعام والقهوة لزوجها وأولادها ولا تخلد إلى الراحة والنوم إلا بعد مضي يوم حافل بالمشاغل والمتاعب لتستيقظ فجر اليوم التالي لأداء نفس المهام التي تعتبر يومية.لقد جسد الشاعر علي عمر صالح في أشعاره بل وفي معظم قصائده وخصوصاً القصائد التي احتواها ديوانه الأول الموسوم “راعية وحطابة” جسد معاناة الراعية والحطابة والتي هي في الأساس معاناة المرأة الريفية بشكل عام التي حرمت من التعليم وكذلك حرمانها من الحياة والتمتع بمتاع الدنيا والمتمثل في حرمانها من الحب والحنان ويتضح ذلك جلياً في أغنية:[c1] “صبرك على الحب ياقلبي - كم ناس في الحب صبارة ذي ما عرفشي ولا يدري ما يعرف الحب واسراره”“عاد الهوى شب في قلبيدقت طبوله ومزمارهلا حد نشر عادنا بسريوبعطي القلب ما اختاره”“عذبني الحب وأتعبنيفي غيبة الخل وأخبارهصبرك على الحب ياقلبيكم ناس في الحب صبارة”[/c]في تلك الأبيات يتضح جلياً الشق الحياتي والإنساني في معاناة الفتاة الريفية ، وحثها على التحلي بالصبر أسوة بالكثير من أمثالها اللواتي أكتوين بنيران الحب ومن الحرمان من الحبيب فهذه الفتاة اليانعة التي لم يزل الحب شاباً في قلبها والتي ما زالت في عمر الزهور والذي بدأ الحب يقرع أبواب قلبها كقرعات الطبول وأنغام المزامير فمن حظ الفتاة الريفية العاثر إرغامها على الارتباط بالزواج في سن مبكرة جداً وغالباً ما يكون ارتباطها بأحد أقربائها الذي ما أن يقترن بها حتى يبدأ التفكير في السفر والاغتراب.ففي قصيدة أخرى يتحدث شاعرنا علي عمر صالح على لسان الفتاة الريفية التي تندب حظها العاثر فيقول في قصيدة (كم لي على ذا التعب صابر):[c1]كم لي على ذا التعب صابر يا أماه راعية وحطابةولا سلي يوم لي خاطر لا بل بختي ولا جابه من يالله اليوم بالباكر في الطين شارح وصرابهباقول كلمة ومش قادر ما بينكم عيش كذابه [/c]“عدم القدرة على التعبير عما تريد الافصاح عنه”:[c1]فيا أماه أنا قد سرح عمري محروم قلبي من أحبابه “الندم على ضياع شبابها وهي محرومة ممن تحب”:سالت دموعي على خديلا عشت حبي ولا هنابه“العيش في تعاسة وحزن دون أن تتهنأ بحياتها مع من تحب”[/c]وكما جسد الشاعر علي عمر معاناة المحب مع من يحب فيما ذكر من نماذج سابقة فإنه في قصيدة أخرى من قصائد ديوان راعية وحطابة وهي قصيدة “وين اشتكي بس يا عالم” ويبدو انه يتحدث عن معاناة شخصية تمثلت في واقعة الغدر والخيانة التي تعرض لها من أقرب الناس إليه فهو ربما يتحدث عن نفسه أو أنه يترجم واقعة غدر وخيانة تعرض لها أحد أصدقائه لأن من أهم رسائل الشاعر هي ترجمة أحاسيس ومشاعر الآخرين لأن الشاعر يؤثر ويتأثر بمن حوله فهو مرآة عاكسة لما يدور حوله ففي هذه القصيدة يقول علي عمر صالح:[c1]وين أشتكي بس يا عالمأنا زماني غدر بيهسلط عليه بشر ظالموباعني واشترى فيهوين اشتكي من جفا ظالمفي كل مفصل طرح كيه[/c]إلى أن يقول:[c1]من دون أسباب عذبنيوفوق ذا اشتكي بيهالحق له رجعه عنديكلام وأسباب وهميهكيف البعد كيف با سويأحرمني الحق ذي ليهايش صار يا ناس في الدنياحتى قريبي رضى بيه[/c]فمن خلال الأبيات السالفة الذكر يتضح أن هنالك ظلماً تعرض له شاعرنا من أقرب الناس لأن الظلم عندما يقع عليك من ذوي القربى فأنه يكون أشد إيلاما وقساوة فذلك يذكرني بالبيت الشعري الذي يقول:[c1]وظلم ذوي القربى أشد مضاضةعلى النفس من وقع الحسام المهند[/c]* للشاعر علي عمر صالح حضوراً فعالاً ومميزاً في كتابة النص الوطني فهو الذي كتب القصيدة الشهيرة “أنت من نسل قحطان من الحان الفنان نجيب سعيد ثابت وغناء الفنانة أمل كعدل”وكذلك لنفس الملحن ونفس المؤدية قدم نصاً وطنياً مطلعه [c1]“حققوا مجد الخلود في اليمن أرض الصمودوالفرح ماله حدودشعبنا هلل وكبرفرحتي يا شعب تكبر[/c]وهذه الأنشودة والأنشودة التي قبلها هي من الأناشيد الوطنية التي واكبت بزوغ فجر الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م.وما يميز الشاعر علي عمر صالح أنه ترجم في مجمل أغانيه الوطنية ما كان يتحلى به من حس وطني فهو يعتبر واحداً من طلائع ثوار الجبهة القومية الذين قارعوا المستعر البريطاني في عدن وفي بقية مناطق الجنوب التي كانت ترزح تحت نيران المستعمر وعملائه السلاطين حتى تحقق النصر في 30 نوفمبر 1967م ليلاقي من الجحود والنكران لدوره الوطني النضالي ما لاقاه «مجير أم عامر» فكلنا يتذكر البيت الشعري القائل:[c1]من يصنع المعروف في غير أهلهيلاقي الذي لا قى مجير أم عامر بزاها ورباها فلما ترعرعتفرته بانياب لها وأظافر[/c]لأنها الثورات التي وصفت بأنها كالقطط تأكل أبناءها. بل إننا بقولنا هذا نؤكد مصداقية المقولة الشهيرة للمناضل الأممي البارز ارنستوتشي جيفارا الذي قال:(ان الثورات يصنعها الأبطال الشرفاء ويرثها الجبناء)تبقى لي في نهاية هذه المداخلة المتواضعة أن أشير إلى أن البيئة البدوية التي ولد وشب وترعرع فيها الشاعر علي عمر صالح قد أثرت تأثيراً مباشراً وقوياً على اشعاره واسلوبه في كتابة النص الغنائي فكما يقال ان الشاعر أبن بيئته والقارئ لاشعاره يلاحظ تأثره بالشاعر الكبير الراحل ناصر علوي الحميقاني، ولكن انتقال علي عمر إلى مدينة عدن الحضن الدافئ لكل أبناء الوطن للعمل والعيش في رحابها قد شكل نقلة نوعية في إشعاره ملف ارتقى بالمفردة من الشعبية البحتة التي تتحدث عن الراعية والحطابة والمعزة والذئب والوادي والشعيب والشجر والبوش إلى مفردة أرقى تبين من خلالها تأثير حياة المدينة على أسلوبه فبعد ان كان يتحدث عن ما ذكر سلفاً من مفردات ريفية اصبح يتحدث عن لغة العيون ففي قصيدة له بعنوان (عيونه على قلبي) وغيرها من النصوص التي تعبر عن المناجاة الرقيقة بين الحبيب وحبيبه.ففي هذا الصدد شبه الشاعر الكبير الراحل أحمد سيف ثابت بالشاعر علي بن الجهم الذي كان لايرى في اشعاره إلا الكلب والذئب .. الخ إلى أن تمدن وأصبح يكتب أرق وأعذب قصائد الغزل.ووتجدر الاشارة إلى أن عدداً كبيراً من الفنانين والفنانات اليمنيين واليمنيات قد تغنوا باعماله فهو قبل أن يقدر الله عليه بالإعاقة كان من أنشط الشعراء فتجده يتنقل كالفراشة من منتدى إلى آخر من مدينة إلى أخرى ليلتقي بالفنانين ويوزع عليهم أعماله فهو من أكثر شعراء الأغنية انتشاراً وخصوصاً على مستوى كل محافظات الوطن ومن أهم من تعامل معهم:الفنان الكبير عصام خليدي والفنان الكبير نجيب سعيد ثابت والفنانة الكبيرة أمل كعدل والفنانة القديرة ايمان إبراهيم والفنانة الأصيلة منى همشري والفنانة المعتزلة نوال محمد حسين والفنان الكبير أحمد صالح بن غوذل والفنان الكبير الراحل محمد سالم بن شامخ والفنان الكبير الراحل أحمد محمد ناجي والفنان الراحل شريف ناجي والفنان الراحل أحمد حسين الحجدري.ويا رعيان ابى معكم ويا أجمل من كما لحن له فنان اليمن الكبير محمد مرشد ناجي مقدمة مسلسل إذاعي بعنوان (الرهينة) لزيد مطيع دماج وغناها المرشدي والخليدي ونوال حسين.[c1]هامش:[/c]مداخلة قدمها الشاعر علي حيمد إلى الندوة التي نظمتها جمعية تنمية الثقافة والأدب في 17 مارس 2010 م،مكرسة لتقديم قراءات عن ديوان (راعية وحطابة ) للشاعر / علي عمر صالح.
أخبار متعلقة