إن الناظر للازمة التي عصفت ببلادنا خلال العامين الماضيين من خلال ما تناولناه عبر هذه الزاوية من صحيفة 14 اكتوبر، وما انتهينا اليه الآن، ليدرك ان الحوار الذي دعا اليه البعض في أول الازمة ورفضه البعض الآخر، أصبح هو الخيار الوحيد الذي التف حوله اليمنيون بكل مكوناتهم السياسية، وعلى اختلاف مشاربهم، وهو ما تمثل في انطلاق مؤتمر الحوار الوطني الشامل في 18 مارس الماضي بمشاركة فاعلة من الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بما فيهم النساء، في بادرة جسدت الحكمة اليمانية.
اليمن بلد عظيم، وعظمته تمثلت في شعبه العملاق الذي فضل الحوار على التنازع والاقتتال، وضرب للعالم أجمع صورة مشرقة عن شعب يعشق الوئام ويكره العنف.. ولهذا فإن نهايتنا لم تكن كنهايات الدول الاخرى التي لم تعرف الاستقرار لغاية الآن، فيما نحن شرعنا في بناء دولة النظام والقانون، مكملين بذلك المبادئ العظيمة لثورتي سبتمبر وأكتوبر والوحدة الخالدة التي قدم لأجلها اليمنيون أرواحا غالية في كوكبة من الشهداء رحمة الله عليهم.
ان انتهاج اليمنيين لمبدأ الحوار سيرسي نهجا قويما في المستقبل سواء على الصعيد الوطني او العربي، فالدول التي داهمها ما يسمى بالربيع العربي اتجهت في آخر المطاف الى الحوار، لأنها وجدت الحل اليمني أنموذجا يمثل العقل ويقود الى تسوية بعيدة المدى وليست آنية الحلول.
إن المؤتمر الوطني للحوار الذي يرأسه فخامة الاخ رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي -حفظه الله- لا حدود له تحت سقف الوحدة المباركة، ففيه سيطرح المؤتمرون القضايا والمشاكل دون خطوط حمراء إلا الوطن الغالي.. فقضايا مهمة كقضية الجنوب وصعدة والدستور وشكل نظام الحكم والانتخابات البرلمانية والرئاسية، كلها أمور مهمة سيكون محل حسمها طاولات الحوار لا ساحات التخندق خلف المتارس.
اننا كأفراد في هذا المجتمع مدعوون بقوة الى دعم الحوار الوطني الشامل، لأنه الفرصة التي إن ضيعناها -لا قدر الله- لن تعود الينا من جديد، ولهذا ينبغي ان نطرح خلافاتنا الشخصية جانبا وان نلتف حول وطنناً وعبر قيادتنا السياسية لنحل قضايانا المصيرية التي ستكون استكمالا لما بعد الثورتين المجيدتين والوحدة الخالدة.
ان التغيير الذي ننشده جميعا يتلخص في حبنا لوطننا، وذلك الحب ليس بالشعارات ولا بالاستقواء، بل بإشاعة مناخ التسامح والتعاطف وتغليب مصلحة الوطن على أي مصلحة شخصية، وذلك هو التغيير الذي سيجعل منه في نهاية المطاف ذلك اليمن السعيد الذي كان العالم كله يسمع به، وها هو اليوم يشاهده عبر تنفيذ المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة التي جعلت العالم يوقنون بقدرة اليمنيين على تخطي الصعاب.
اننا اليوم امام لحظات تاريخية بل ومفصلية، فعجلات التاريخ لن تعود للوراء، ودماء الشهداء في كل الميادين ستظل نبراسا ينير لنا درب المستقبل، ذلك الدرب المليء بالتطوير والتعمير.
المرأة اليمنية هي شريكة الرجل في كل المجالات وهي كذلك في مؤتمر الحوار، حيث تشكل ما نسبته 30 بالمائة من مجموع المتحاورين البالغ عددهم 565 هم قوام المؤتمر الوطني للحوار، ووجودها بهذه الكثافة هو استمرار لمشاركتها النشطة خلال العقود الماضية، وهو ما جعلها تتبوأ أرفع المناصب كوزيرة وسفيرة وقاضية وضابطة وطبيبة ، الى جانب دورها الكبير في تنشئة جيل المستقبل كربة بيت .. ولهذا فإن نساء اليمن يعولن عليهن الكثير لما فيه الارتقاء أكثر بواقع المرأة اليمنية من خلال النصوص التشريعية.
لفت نظري مشاركة المهمشين في الحفل الذي احتضنته كلية التربية والعلوم برداع حول الحوار الوطني، حيث كانت كلمة مندوبهم معبرة للغاية، فهذه الفئة مهمة، ولا يمكن الاستغناء عنها اطلاقا، فتصوروا معي لو اضربوا عن العمل خاصة في جانب النظافة كيف تصبح الدنيا، فيما مدرسون يدعون القيم والمثل والاخلاق ويخادعون الناس باسم الدين، يتغيبون دوما، فيما لا يحس أحد بغيابهم، لأنهم في الاساس لا وجود لهم.
الحوار الوطني لا ينبغي ان يظل لغة المتحاورين انفسهم، بل يجب ان يشاركهم في ذلك كل اطياف الشعب كل من موقعه، فلن ينجح الحوار بهم فقط، بل نجاحه الرئيسي في كثافة المشاركة الشعبية.
- أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
الحوار لغة الشعب كله..
أخبار متعلقة