لقد تضمنت الوثيقة النهائية لمؤتمر الحوار الوطني العديد من المحددات الرئيسية المتعلقة بالمياه إلا أنها تتوزع على شكل إشارات لموضوع الموارد المائية على جميع فصول الوثيقة بطريقة غير مركزة ومعظم الفرق المشاركة في مؤتمر الحوار تناولت القضية المائية بنوع من الإيجاز . لقد أسهبت الوثيقة النهائية لمؤتمر الحوار الوطني بالإشارة إلى أن الماء حق إنساني أساسي ولكل مواطن الحق في الحصول على المياه النقية وبكميات كافية وبسعر معقول وعلى الدولة أن تتكفل بذلك وهذا بحد ذاته شيء جيد إلا أن الوثيقة لم تتطرق لجذور المشكلة المائية في البلد وكيفية توفير مياه الشرب النقية وما هي البدائل المناسبة لتوفير مياه الشرب رغم أنها أشارت إلى بعض البدائل مثل تحلية مياه البحر ولم تشر الوثيقة إلى الوضع الحرج لمعظم الأحواض المائية في اليمن .لقد تطرقت الوثيقة في صفحة ( 258 ) إلى العمل على إصدار التشريعات التي تمنع الاستنزاف الجائر للمياه والحفر العشوائي مع العلم أن مشكلتنا ليست في عدم وجود التشريعات الكفيلة بمنع الاستنزاف للمياه والحفر العشوائي للآبار فهذه موجودة من قبل ضمن قانون المياه رقم (33) 2002م وتعديلاته بالإضافة إلى قرار إنشاء الهيئة العامة للموارد المائية والتي من خلالها تم تخويل الهيئة بالقيام بمثل هذه الإجراءات المتعلقة بمنع استنزاف الموارد المائية ومنع الحفر العشوائي وإنما مشكلتنا تكمن في كيفية تفعيل قانون المياه . كما أن الوثيقة أشارت في صفحة (175) إلى وضع محددات قانونية تتمثل بسن قانون ينص على عدة أمور مثل اعتبار الماء مورداً اقتصادياً تعود ملكيته للدولة وكذلك عدالة تخصيص المياه وإعطاء الأولوية للشرب مع العلم أن قانون المياه رقم (33) لعام 2002م وتعديلاته تضمّن مثل هذه المحددات القانونية ولا اعلم لماذا تم الإشارة إلى ضرورة سن مثل هذه المواد القانونية ؟إن أهم ما تضمنته الوثيقة النهائية لمؤتمر الحوار الوطني من وجهة نظري هي ستة أمور وهي على النحو التالي :- - إن المياه حق أساسي من حقوق الإنسان ولكل مواطن الحق في الحصول على مياه نظيفة بكميات كافية وسعر مناسب سواءً للشرب أو الاستخدامات المنزلية وتضمن الدولة ذلك بل أن الوثيقة أشارت إلى ضرورة مراعاة أسعار المياه في المناطق الساحلية نظراً لحاجتهم للمياه بكميات تفوق المناطق الأخرى .- الإشارة إلى تعزيز قدرات وزارة المياه والبيئة والهيئة العامة للموارد المائية لتنفيذ القانون واعتقد هنا تنفيذ القانون يقصد به قانون المياه .تجريم الحفر العشوائي للآبار والاستنزاف الجائر للمياه وإلزام الدولة بسن تشريعات خاصة بمنع تلوث المياه .- إلزام الدولة بإنشاء محاكم خاصة بقضايا المياه ونشر الوعي حول المياه في المنهج الدراسي وهذه من أهم القضايا التي تسعى الهيئة العامة للموارد المائية إلى متابعتها وتفعيلها . إلزام الدولة بوضع خطة وطنية للحد من زراعة القات بهدف ترشيد استخدام المياه على أن تقدم الدولة الحوافز المناسبة الزراعية لبدائل القات . - مضاعفة الاهتمام بتنمية الموارد المائية والحفاظ على استدامتها من خلال التوسع في بناء السدود والخزانات والحواجز والمنشآت المائية وإدخال تقنيات ووسائل الري الحديث وتيسير الحصول عليها بأسعار تشجيعية . كنا نتوقع أن يخرج المؤتمرون فيما يتعلق بالقضايا المائية بتوصيات تلتزم الدولة بان تجعل القضية المائية على رأس أولوياتها خلال المرحلة القادمة وان يحتل الأمن المائي على الأقل المرتبة الثانية بعد الأمن القومي ضمن ترتيب الأولويات نظراً لأهمية المياه في الاستقرار والتنمية لكل القطاعات . في حقيقة الأمر اعتقد أن تناول القضية المائية في وثيقة هي بمثابة العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين السكان والموارد لا يرتقي إلى مستوى الطموح المؤمل من مخرجات الحوار الوطني الشامل . إن القصور في تناول قضية مهمة مثل قضية المياه في مؤتمر الحوار يعود بدرجة أساسية إلى التقاسم الحزبي لمقاعد مؤتمر الحوار دون مراعاة تضمين قوائم المؤتمرين بالمتخصصين في جميع المجالات لضمان تناول القضايا الوطنية المهمة بنوع من المسؤولية والنظرة العلمية وهذا ما انعكس سلباً على مناقشة القضايا المعقدة مثل القضية المائية بنوع من الموضوعية والتقييم العلمي لها . وفي الأخير نستطيع القول انه إذا كان هناك قصور في معالجة القضايا الوطنية ضمن مؤتمر الحوار الشامل فان ذلك لا يعفي الحكومات التي ستأتي من القيام بواجبها تجاه تلك القضايا وعلى رأسها القضية المائية نظراً للوضع المائي الحرج الذي يعيشه البلد .* مدير عام التوعية المائية ولجان الأحواض في الهيئة العامة للموارد المائية
مخرجات الحوار الوطني حول قضايا المياه بين الواقع والطموح!
أخبار متعلقة