تحل الذكرى السابعة لأحداث 11 سبتمبر المشؤومة التي تعرضت لها أمريكا في قعر دارها ، هذا العام 2008م وكما يقال إن أمريكا بدأت ذلك اليوم في عصر، وانتهت منه وهي في عصر آخر ، وأصبح العالم كله يطارد الإرهاب أينما وجد، فقد أصبح الإرهاب ظاهرة عالمية عانت منه كثير من المجتمعات، وذاقت ويلاته ، واكتوت بناره، فهو لا يعرف وطناً ولا جنسا، ولا دينا ولامذهباً . ولهذا فإن المشاعر كلها تلتقي عند رفضه واستنكاره، والبراءة منه ومن أصحابه، وتبقى كلمة الإرهاب محصورة في الإقدام على القتل والتخويف، والتخريب، والزعزعة والترويع ، والسعي في الأرض فساداً. ولكن بالنظر إلى تلك التفجيرات التي هزت أمريكا في 11 سبتمبر 2001م ، يقف المرء حائراً ، مذهولاً ، لما حدث في قلب العاصمة المالية والتجارية لعالم بلا منازع، بالرغم من كل ما تمتلكه من وسائل دفاعية عالية التقنية، وأجهزة تقنية اتصاليه، واستخباراتية رفيعة المستوى لا مثيل لها في العالم، والتي لم تسعفها في الوقت المناسب من الحيلولة دون وقوع تلك الأحداث المؤلمة التي تعرضت لها. ولكن لا ينفع حذر من قدر حسب قول المثل العربي.وفي حقيقة الأمر، استطاعت أمريكا كيفية استغلال أحداث 11 سبتمبر لصالحها ، ليس خارجياً فحسب ، بل داخلياً أيضاً فعلى المستوى الداخلي اتخذت أمريكا من هذه الأحداث فرصة لإعادة توحيد البلاد، وترسيخ فكرة الهوية ، وطرح مفاهيم المواطنة والوطنية وغيرها من مفاهيم كانت قد خبت ولفترة غير قصيرة قبل أحداث سبتمبر، كما اتخذت منها وسيلة للتوعية بالإرهاب ، ولتبرير الحروب التي تشنها اليوم في الخارج، ويظهر ذلك جلياً في كثير من مظاهر الحياة الأمريكية اليوم ، وهكذا استطاعت أمريكا أن تستفيد من هذه الأحداث، لاسيما أنها جاءت في فترة كان الأمريكيون فيها منقسمين بشدة حول سياسات بلادهم.وفي المدارس ، حيث الأجيال الجديدة التي ستتسلم زمام الأمور في أمريكا خلال سنوات معدودة، كانت هذه الأحداث فرصة لتعريف التلاميذ بتاريخ بلادهم، ولغرس جذور الولاء والفخر ،واطلاعهم على المبادئ التي قامت عليها هذه الولايات من ديمقراطية وحرية واحترام للآخر، وعرض للتضحيات التي قام بها الأمريكيون الأوائل لصنع هذه الدولة يبدو ذلك من النشيد الوطني الذي عاد بعد أن توارى لفترة ليست بالقصيرة ، وحتى المناهج الدراسية التي توعي بالإرهاب ، والتي تنشط - خاصة - أيام الذكرى السنوية، إذ قبل أحداث سبتمبر لم تكن المناهج الأمريكية تولي اهتماماً كبيراً بمفهوم الإرهاب ، ولكن كل ذلك تغير بعد تلك التفجيرات ، كما أن العلم الأمريكي نال حظاً وأفراً من الاهتمام بعد تفجيرات 11 سبتمبر، لاسيما أن العلم يعتبر أحد أهم مظاهر الانتماء الوطني ، وتدريسه هو في الحقيقة تدريس لتاريخ، الدولة، وهكذا أصبحت تلقى دروس كاملة عن أصل هذا العلم ورموزه والطريقة المناسبة لعرضه. أما الذكرى السنوية لأحداث سبتمبر فهي الوسيلة الكبرى لإعادة تذكير الطلاب بما تعلموه من مفاهيم وقت الحدث، وتستغل المدارس الذكرى السنوية لتفجيرات سبتمبر في عمل برامج وأنشطة ودروس يمارس فيها الطلاب دوراً كبيراً فعالاً، إذ تحرص المدارس على أن تبقى ذكرى تلك الأحداث ماثلة في نفوس طلابها، وكأنها تريد بذلك أن تذكر الأجيال دائماً بعاقبة التهاون في مكافحة الإرهاب بما يجره على الدول من خراب ودمار. أخيراً، إن رد فعل أمريكا تجاه أحداث 11 سبتمبر لأمر يدعو للتأمل ، إذ استطاعت أن تحول هذه الكارثة إلى فرصة ذهبية لجمع الشمل والتكاتف، والتذكير بمميزات هذا البلد، وكلها أمور ما استطاعت أن تحققها قبل الأحداث.
أخبار متعلقة