خارجون على القانون نتعاطف معهم
القاهرة / 14 أكتوبر / وكالة الصحافة العربيةظاهرة تستحق أن نتوقف أمامها بالدراسة والتحليل، ففي الفترة الأخيرة، تزايد عدد الأفلام التي تقدم أبطالا منحرفين وعلي سبيل المثال فيلم (الجزيرة) وفيلم (خارج على القانون) واللافت للنظر والمثير للدهشة هو ازدياد درجة تعاطف الجمهور مع هؤلاء الأبطال الى الدرجة التي جعلت المتلقي غير راغب في أن يلقي البطل جزاء انحرافه أو حتى على الأقل يتم إلقاء القبض عليه.. فما هي الدوافع والأسباب وراء ذلك ولماذا أصبحنا نتعاطف مع منحرف السينما.يرجع المخرج نادر جلال ذلك إلى إعجاب الجمهور بالممثل ولأدائه الفني العالمي مثل فريد شوقي ومحمود المليجي وأضاف إن أكثر من قدموا أدوار الشر من الممثلين المحبوبين لدى جمهورهم ويجوز أن إعجاب الجمهور بأدوار الشر يعود إلى الظلم المنتشر في البلاد والقهر لكن التعاطف مع الشر شيء صعب ويصبح خطراً وهذه مسئولية كاتب السيناريو.ويؤكد د/ مدحت العدل إن للظروف المحيطة بالبطل دوراً مهماً وأنا ككاتب سيناريو أرسم شخصية البطل بشكل يتعاطف معه المشاهد بسبب الظروف المحيطة به والتي أدت لانحرافه وفي ظل الظروف الحالية في مجتمعنا يرى الناس أن الخارج على القانون هو من يستطيع أخذ حقه فالناس أصبحت مقهورة داخلها شحنة غضب من كل شيء من الغلاء في الأسعار وإهدار الحقوق وبالتالي بطريقة لا إرادية تتعاطف مع البطل رغم أفعاله الخارجة على القانون لتنفث عن مشاعرها تجاه ما يحدث ، فالبطل في الماضي كان الشجاع وصاحب القيم والذي يدافع عن حقه بالقانون أما الآن فهو الذي يأخذ حقه بالخروج على القانون.وأشارت د/ سميرة محسن إلى أن الناس لا تتعاطف مع المجرم ولكن يرون أن البطل المنحرف شخص تعرض لظلم من المجتمع وأحياناً المشاهد يضع نفسه محل البطل فيلتمس له العذر.وترى د/ لميس جابر أن التعاطف مع البطل المنحرف ليس ظاهرة فهناك مبررات لانحرافه خاصة أن (09%) من الجرائم تكون لأسباب خارجة عن الإرادة لأن الإنسان لا يخلق شريراً بفطرته إلا في حالات شاذة وأضافت:في فيلم (اللص والكلاب) تعاطف المشاهد مع سعيد مهران ليس لأنه مجرم بل لأنه تعرض لظلم من كل من حوله ، وهناك مقولة أتعجب منها وأرفضها وهي أن الأفلام التي تتناول قضايا الانحراف كالسرقة والقتل والشذوذ تروج لهذه الجرائم فهذا مفهوم غير صحيح وضيق الأفق فالفن يناقش قضايا، فلم يحدث مثلاً بعد فيلم (ريا وسكينة) في الخمسينيات أن تكون عصابات نسائية تقتل لأنها تأثرت بالفيلم فالفن يعرض ويناقش القضية فحسب!ويؤكد الفنان محمود ياسين أن سبب التعاطف مع البطل المنحرف هو رسم الكاتب لأبعاد شخصية البطل بشكل تتعاطف معه خلال أحداث الفيلم ، مثلاً في فيلم (الجزيرة) البطل منحرف ويحمل قضية فيها انحراف ولكن الأبعاد الإنسانية في شخصيته تتعاطف معها وهذا رأي الكاتب والمخرج ليس بقصد الدفاع عنه بل لتوضيح أبعاد الشخصية ودوافع الانحراف ، وحكم الفيلم على البطل ليس نهائياً أو قاعدة ثابتة لأن الفن لا يحكم بل يعرض القضية ويكشف أبعادها فحسب ويترك الحكم وإيجاد الحلول للمتخصصين كعلماء النفس·· والاجتماع والاقتصاد·· الخ وأهم حكم ورأي هو الرأي العام والأفضل مناقشة القضية بين الرأي العام والمتخصصين.[c1]شخصية فاسدة [/c]يرى الفنان خالد الصاوي أن الإنسان يتعاطف مع الشخصية المنحرفة لأنه يجد فيها جوانب إنسانية وظروفاً دفعت البطل للانحراف رغماً عنه ، وأحياناً يجد أحداثاً يتمني القيام بها ولا يستطيع، مثل أفلام الأكشن التي تجعل البطل قوياً وشجاعاً ويستطيع فعل كل شيء فيشجعه المشاهد لأنه يفعل ما يتمني بدلاً منه ، وفي حالتي التعاطف يحدث معي لأن أدواري التي أجسد فيها الشخصية الفاسدة أوضح فيها دوافع هذا الفساد.يرجع الفنان شريف منير الأمر إلى أن التعاطف مع البطل المنحرف ظاهرة قديمة موجودة في السينما المصرية والأمريكية أيضاً ويوضح ذلك أفلام البطل الشعبي مثل عادل إمام في (سلام يا صاحبي) وفريد شوقي في (جعلوني مجرماً) وجون رينو في فيلم القناص وكان يجسد شخصية قاتل محترف بالأجر وفي ذات الوقت يتسم بالشعور الرقيق ويبرز ذلك مع الطفلة التي يرعاها فيتعاطف معه الجمهور ورغم عمله الإجرامي فالتعاطف هنا لعبة صعبة لتجعل المشاهد يرفض أفعال البطل ويحبه ويتعاطف معه أيضاً مثل أفلام (البلاك كوميدي) فهي تضحك المشاهد بالرغم من الأسى الذي يتعرض له البطل خلال أحداث الفيلم.ويشير الناقد طارق الشناوي إلى الموضوع من زاويتي (علم النفس والزاوية الدرامية) قائلاً: بالنسبة لطبيعة علم النفس الشر يلقي تأييداً أحياناً مباشراً وغير مباشر داخل الإنسان لأن النفس البشرية بها نوازع شريرة (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) فحكم طبيعة المجتمع والأنا الأعلى عند الإنسان تجعله يتبع الشر لأن الناس تجد البطل الشرير يقوم بدلاً منهم بأفعال يرغبون فيها ولكن يخشونها ولا يستطيعون تنفيذها فيرون من يفعل ذلك بالنيابة عنهم أما من جانب السياق الدرامي فعندما يقدم البطل المظلوم من قبل المجتمع والقانون تتعاطف الناس معه حتى لو استخدم في انتقامه وسائل غير مشروعة·· والسينما - مع سبق الإصرار أو بدون إصرار - تخلق هذا التعاطف مع المجرم أو الخارج على القانون والتعاطف هنا ليس حباً في المجرم ولكن تنفيسا عن شحنات الغضب الموجودة داخل الناس بسبب أساليب المعيشة والغلاء في كل شيء والتدهور والانحدار لحق الإنسان فالناس ترى الضابط أو العسكري أي الشرطة هي ممثل الحكومة والمعبر عنها أي أن الشرطة عنوان الدولة فعندما يرون انتصار البطل في السينما على الشرطة يشعرون بتنفيس شحنة غضب من الشحنات الكامنة داخلهم.[c1]دوافع الانحراف [/c]وتؤكد الناقدة السينمائية ماجدة موريس أن دوافع الانحراف يجب أن تكون مقنعة:لأن البطل السينمائي تدور حوله الأحداث فهو اختيار مبدئي من الكتاب والمخرجين لانحياز الجمهور له فيتم الاختيار كسوبر ستار محبوب فالناس تقتنع به سواء طيب أو شرير تبعاً لدوره والفيلم عندما يكتب لابد أن يضع منطقاً للانحراف بمعني أن الكاتب وهو يكتب عن الشخصية الشريرة عليه أن يوضح تفاصيل تتعاطف معها الناس وهذا مبدأ لنجاح الفيلم والناس مؤكد تذهب لفيلم تحب بطله فيتعاطفون معه تلقائياً ، ولكن إذا كانت الشخصية شريرة بدون مبرر ومازال التعاطف موجوداً فهذا فشل للفيلم فشباك التذاكر ليس مقياساً للنجاح فدوافع الانحراف في الفيلم يجب أن تكون مقنعة ومع ذلك يجب توضيح القدرة على التصدي قبل الاستسلام لها.وتشير د/ عزة هيكل أستاذ علم الاجتماع إلى أن التعاطف مع الشخصية المنحرفة قبل ذلك الوقت كان مؤقتاً أي خلال عرض الفيلم وأيضاً أثناء العرض حيث يبحث الناس عن القصاص وتحقيق العدل حتى لو أسباب انحراف البطل قهر المجتمع وذلك موجود في أفلام عديدة مثل فيلم (البؤساء) لوقتنا الحالي لأن البطل يحاول تحقيق ذاته ولكن الظروف المحيطة به تعترضه وأحياناً يقاوم هذه الظروف وأحياناً يستسلم لها ، أما الآن فالأفلام تجعل البطل دائماً ضد النظام والأمن وتشجيع الناس لذلك سببه وجود نماذج حقيقية في الحياة سيئة تتسبب في قهر الكثيرين.ولكن البارز في المجتمع نظام الأمن فالنماذج السيئة شملت الحسن منه فأصبحت الأفلام تعبر عن غضب الناس وتشير إلى أن القانون السائد هو قانون الغابة ونحن نرفض هذا النهج لأنه سوف يؤدي إلى ظهور المزيد من حالات الإدمان والفساد والانحراف في المجتمع فالفن لابد أن يوازن المعادلة فيجب أن يقدم بجانب النموذج المقهور الذي استسلم وانحرف نموذجاً آخر مضيئاً يقاوم الظروف ويحقق ذاته بسبل صحيحة.ويؤكد د· هشام بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر على وجود شقين:الشق الأول: إعجاب الجمهور بأداء الممثل وطبيعة السينما الساحرة التي تجعل المشاهد يتجرد من حياته ليندمج مع شخصية البطل حتى لو شخصية إجرامية ، والشق الآخر: هو الإنسان وبه غريزة تحمل الخير والشر وإعجابه بدور البطل يداعب مشاعره سواء الخير أو الشر فيتأثر به ويؤيده فالإنسان يؤيد الشر لأنه جزء منه ولكن لا يستطيع العمل به لأن القيم التي بداخله ترد على هذا الشر بالرفض والاستنكار مثل دور فاتن حمامة في فيلم (لا أنام) تعاطف جمهورها مع أفعالها الخاطئة ولكن أيضاً كان يؤيد ويوافق ضميرها الذي كان يرفض الخطأ.والإعجاب هنا كالمثلث إعجاب بالدور أو بالأداء أو تأثر المشاهد فيمكن أن يتفوق أداء الممثل على الدور فتتأثر شخصية المشاهد ويمكن أن يكون الدور أكبر من الأداء فلا يستطيع الشر مداعبة جزء الشر داخل شخصية المشاهد.