في الذكرى السابعة عشرة لرحيله
عبدالعزيز الدويلةفي يوم الخميس الموافق 5 مايو 1993م وفي تمام الساعة التاسعة والنصف مساء وعلى إثر نوبة قلبية مفاجئة في مقيل منتدى القاص المرحوم حسين با صديق رحل والدنا الصحفي والشاعر عبدالله الدويلة حيث تم مواراته الثرى فجر الجمعة الموافق 6 مايو1993م في مقبرة القاهرة بالمنصورة عن عمر ناهز 62 عاماً قضاها في مسيرة وتجربة حياتية حافلة بالنضال المسلح والوطني والعمل النقابي والعمل المتنامي والمتنوع في مجالات الإعلام والثقافة والصحافة والأدب والشعر والفن التشكيلي. وفي الذكرى السابعة عشرة لوفاته سنحاول قراءة بعض من قصائد مسودة ديوانه بصورة انطباعية وذلك لاحتوائه أجود وأفضل القصائد الشعرية - العمودية والنثرية الحديثة - التي كتبها الشاعر الراحل عبدالله الدويلة في فترة الثمانينات حتى بداية التسعينات من القرن الماضي .. والتي تقدر بـ (53) قصيدة تعبر عن جدلية المسارات الحياتية والمتمثلة في الشعر السياسي والغزلي والرثائي والتراث التاريخي والحضاري... ونستعرض هنا مقتطفات من قصائد شاعرنا الفقيد عبدالله الدويلة “ رحمة الله عليه “ التي تستحق القراءة والتمتع والبحث في معاني ودلالات هذه الأعمال الشعرية حسب مواضيعها المختلفة. تتميز أعمال الفقيد الشاعر / عبدالله الدويلة بالدلالات والرموز لما تمثله المرأة من عمق تاريخي وحضاري يجسد ارتباطها بالوطن والحياة والخصوبة ، ففي قصيدته “ افياؤها تطل في وجد النساء” يقول :بلقيس ... ياجذو الربيع.. يا مهرة سبئية ظلت على أهدابها حلم - السعيدة - فانبرت .. افياؤها تطل في وجد النشاء بأرضنا.. آيات ملحمة من الظفر العنيد فلترتدي !.. في يومك الممطور بالحنا ... وشاحك القرنفلي ، واسكبي ضفائرك الذهبية ... في ليالك النخيل .. وصبوة الحب الذي .. يأتي مطهماً بملح الأرض.. والعرق الإنسان [c1]13 / 3 / 1987م (صحيفة 14 أكتوبر )[/c]كما تعبر بعض من قصائد الشاعر الراحل / عبدالله الدويلة عن فترة النضال والكفاح لعدد من المناضلين والشعراء ، ومن هذه القصائد “ شاعر جلمود” التي تكشف تجربة الشاعر والمناضل الراحل “ ادريس حنبلة “ في العمل النضالي والفدائي ضد الاحتلال البريطاني فيقول : كان وجهه كشعره وشعره كوجهة جلموداً.. في وجه حارس التاج شعره يتناثر صخراً .. لهباً .. خشباً في السجن امضغوه الملح كثيراًكي ينداح الشعر منكسراً من ثناياه كي ينطلق كسيحاً من غير جناح فالملح عنده . شهد من اجل العتق والجلد كتاب للشعر ينقش ايقوناً . للهائم في عشق الوطن يمضغ “ إدريس “ الملح أبيا.. في قبو التاج .. لكنه وبعينيه رآهم يندحرون يسبقهم عار الخزي ورعد الموت وبرق النار [c1]9 / 1 / 1992م [/c]صحيفة 14 أكتوبر وعندما رثا فقيدنا الشاعر / عبدالله الدويلة زميله الشاعر الراحل محمد سعيد جرادة كان ذلك مطلبا ورغبة من الشاعر الراحل الجرادة نفسه قبل أن يموت آملاً من زميله الشاعر الراحل عبدالله الدويلة أن يرثيه بقصيدة عمودية بعد وفاته فيقول : زانة المسك شذى في رحلـــــه ومضى يـرويننا عـن بـذلــــهبغناء ساحــــــــر يشجو لـــــــه عبق الزهــر ندى من حقــلــه كم روى في دهره مـــن أحرف وشجانا شاعــراً من ظـلــــــهكم تضاحكنا وكــم أزهى بنــاً وهج الشعر وكـم في ظـلــــه ألـــــزم البيت قصيداً فارعـــــاً وعموداً مدهشـــاً في جزلــــهها هو اليـــوم قصيدي متـــرع بعمود قد نبـــــا في خلــــــهيجتلي الــــــراح كئيباً ناديــــــاً شاعراً كــان لــه في نزلــــــهراحــــلاً عنــا ولمــا لــم يــــزل جهورياً لـم يمـل عن أصلــــهكم فجعنا كــــم بــرت أغصننا كمداً ، كــم قـدرنـا من اجلــهفــارحــــم الله فتى في خلـــده كان ينحـو خيـراً في سهـلــــه واجعـــــل اللهم مــن بردتــــه نـد وطيب وسنــاً في خـلـــده[c1]27/ 1 / 1991م (صحيفة 14 أكتوبر) [/c] كما أن من القصائد السياسية التي كانت ستدخل الفقيد الشاعر عبدالله الدويلة السجن بسبب دلالاتها أو رموزها السياسية التي تنطبق على بعض القادة السياسيين في تلك الفترة وهي قصيدة - الانتهازي- التي يقول فيها: براقة أقواله .. كلمعة النصال،لكنه .. من ورق مقوى ..كلعبة .. مثل ترى،في حلبة الأطفالرنانه،كدقة الطبول .. في الأدغال،لماعة .. مثل السراب ..لا يعرف الفيافي .. الا الخبير،في رحلة الفيافي .. وأبحر الرمالمنمق حديثه .. لكنه،أو هي من الخيال لا يخدم .. يحترق النضالأسهله .. أقربهيجيد لعبة الحروفيخاف شرعة القتالوالسير في الحبال ويرتقيالصعاب[c1]28 /4 /1986م[/c]وفي المرأة نجد صورة شعرية تحمل في طياتها معاني تاريخية تتجسد في قدرة المرأة على تغيير العقلية المدمرة وإطفاء شهوة الامتلاك والسيطرة كما في قصيدته ـ سيدتي شهرزاد ـ حيث يقول:سيدتي شهرزادفي نداء الديك .. صدق الصباحغير أن في سدوم اللياليونهار الزمن المستباحلا يغنون ..ولا يركبون خيلهم ..وهل قد بزغ الفجر .. في جفنرغيفمورق الخطوات ..كي تكفي :الصباح في أماني الفجر مازال صادقاًكأغنية الديك التي تمنحنا ..لحظة الهدوء .. ثم نمضيكديمومة أنهار الحياة ..سوف لا نجزع ..فالديك يغني .. ومازال يغنيفي قلوب الذين ترتدي ..أعينهم نبضات الفجر ..لا يستسلمون[c1]22/ 8/ 1985م(صحيفة 14 أكتوبر)[/c]وعندما يعبث السياسي بثروة البلد مثل النفط يكون ايضاً للشاعر عبدالله الدويلة موقف مثل ما ورد في قصيدة (روبيكيا) حيث يقول:ولصاحب الشرطة مسبحة يغتال بحياتها،أغنية الحرف الملعونة .. في نظريفالكل في نظري ملعون الا النفطيا صاحب الشرطة !.. خذ مني مسبحة الحرف كي تأتلق حبال المشنقةالشاعر في بهو النفط .. يأكله الحرفعندما يرفضه ليل العرض .. وليل الطلبيمتشق الحرف الصدى ..ويلف على باب الخصيان، ويناديروبابيكيا .. روبابيكيا .. بيكيا[c1]7/ 11/ 1984م(صحيفة 14 أكتوبر)[/c]ومن النصوص الشعرية التي فيها اتهام مباشر يتمثل في جوهر وحساسية الصراع السياسي منذ القدم والذي يتكرر الى يومنا هذا قصيدته (مرأة عن وجه كليب الجديد الذي يقول فيها:كاد أن يسقط النجم ..في عتمات الصقيع .. ولكن نجم سد يمنناماهننا قط مرتجفاً ..أو جثا منتحياًَ على أرصفة الذهولفلنجم الفقراء صولته ..ولنجم الفقراء .. عشق نخيل اليمنوبرق غمام تتبنى أزهراً،لم يزل ..يعزف في وضع، بهاء تفرقدهفي لظى لحظات هشيم الردى،ربما أطول من حرآب (كليب) ..وبكر وتغلب ..أخطف .. أفطع من حربهم،البسوس التي أضرمها كليب،وحد القنا، يفجر ذاته ووجاهتهوكليب هو ذلك من أجار الطيور،ومن منع الماء والعشب والاختيار.[c1](22/ أكتوبر/ 1980م)صحيفة الرآية [/c]وقد كتب الشاعر الراحل عبدالله الدويلة ايضاً الشعر الغنائي ومنه قصيدته (غنائية من كتاب الهوى) وفيمايلي مقتطفات من كلماتها:أعطني سر الهوى كي ابتديعاشقاً في خضر عينيك النديالبدايات ... حبيبي صعبة وامتحان للغرام الاجود والنهايات حبيبي مرة ووداع .. لربيـــع مجهــــد فا قطفي كرم الهوى عنقودة واحضنيه بشفاه ارغد واستجيبي للقاء حالم نبضه العشق ودفء المرقد واديري راحة مغتنماً لذة البوح وسحر المشهد هذه ليلتنا غامرة فارعشيها بشغاف الاكبد يا حبيبي كم نمت احلامنا في ربا اغصانها من عسجد فاكتبي قصتها من احرف تمنح الشعر ضياء الفرقد [c1]9 / 4 / 1992م (صحيفة 14 أكتوبر) [/c]وفي الاخير قد لا نستطيع ان نعطي الباحث او الناقد او القارئ حقه في اضاءة متكاملة لشعر الشاعر عبدالله الدويلة ما لم يكن في متناول المهتمين والباحثين المجموعة المتكاملة لشعر الشاعر المجيد عبدالله الدويلة حتى تكون هناك متعة ووضوح واهتمام لما تختزنه مكنونات ومشاعر هذا الرجل المرهفة والجرئية والتنوع في كتابة القصيدة سواء أكانت عمودية او نثرية “ حديثة” وذلك لان الرؤية هنا والقراءة ستكون مكتملة ودقيقة في التحليل والبحث والغوص في تجربة الشاعر الشعورية والجمالية لذلك نجدها هنا فرصة في دعوة جهات الاختصاص العامة والخاصة إلى تمويل طباعة ديوانه الذي ظل مسودة منذ وفاته حتى يومنا هذا حيث لا تستطيع أسرته أن تقوم بهذا العمل نظراً لمحدودية الدخل.